غزة / معتز شاهين:
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن مستقبل قطاع غزة موجة من الغضب والاستنكار على المستويين الإقليمي والدولي، وسط تحذيرات من تداعيات كارثية قد تهدد استقرار المنطقة برمتها.
ويرى محللون سياسيون أن هذه التصريحات تعكس نهجًا استبداديًا يتجاوز القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية، حيث يسعى ترامب إلى فرض رؤيته الخاصة في التعامل مع القضية الفلسطينية، متجاهلًا حقوق الفلسطينيين ومتطلبات الحل العادل.
ويؤكد المحللون، في أحاديث منفصلة مع صحيفة «الاستقلال»، أن خطة ترامب، التي وصفوها بـ»المرحلة الثانية» من صفقة القرن، تهدف إلى تهجير سكان غزة، مستغلًا الأوضاع الاقتصادية والسياسية المعقدة في المنطقة، كما شبه بعضهم سياساته بوعد بلفور جديد، معتبرين أنها تتجاوز حتى سياسات الإدارات الأمريكية السابقة الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وكان ترامب قد اقترح، الثلاثاء، فرض سيطرة أمريكية على غزة، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض: «الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، ونتوقع أن تكون لنا ملكية طويلة الأمد هناك».
ووصف ترامب قطاع غزة الحالي بأنه «منطقة للهدم»، وقال إن على سكانه أن يغادروا إلى دول أخرى إلى الأبد، واقترح على وجه الخصوص الأردن أو مصر كأماكن لإقامتهم. ولم يستبعد أيضًا أن ترسل الولايات المتحدة جيشها إلى غزة، ووعد بزيارتها شخصيًا.
أثار هذا الاقتراح الأمريكي ردود فعل فلسطينية ودولية واسعة، حيث اعتبره البعض بمثابة «تطهير عرقي» ووُصف بأنه «وصفة للفوضى».
وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن التصريحات التي أطلقها ترامب، وهو يستقبل الهارب من المحكمة الدولية، نتنياهو، وتأكيده على مخطط تهجير أهلنا في قطاع غزة عن أرضهم، ليست سوى نسخة جديدة من وعد بلفور المشؤوم، الذي وَعَد فيه من لا يملك من لا يستحق.
وأضافت الحركة، في بيان لها، أن اجتماع مجرم الحرب برجل العقارات المتغطرس في نيويورك يمثل حقيقة المشروع الأمريكي-الصهيوني في منطقتنا، حيث يقرر مصائر دول المنطقة ومستقبل الملايين من أبناء أمتنا بقوة الترهيب والبطش والإبادة، ضاربًا بعرض الحائط كل الشرائع والقوانين وإرادة الشعوب.
وعد بلفور جديد
بدوره، وصف الكاتب والمحلل السياسي فايز السويطي قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها امتداد لوعد بلفور، بل إنها أشد وطأة، إذ يعتبره «أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم»، مشيرًا إلى تنسيقه الوثيق مع الدولة العميقة واللوبي الصهيوني.
وقال السويطي، «الاستقلال»، إن تصريحات ترامب بشأن سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد ترحيل الفلسطينيين تمثل «المرحلة الثانية» من صفقة القرن، مشيرًا إلى تنفيذ معظم بنودها، مثل الاعتراف بالمستوطنات والجولان كأراضٍ إسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتسريع التطبيع تحت غطاء «الديانة الإبراهيمية».
وأضاف أن ترامب يتصرف كـ»ثور هائج»، يصدر قرارات دون حساب عواقبها، مستشهدًا بتراجعه عن بعض قراراته السابقة بشأن بنما، والمكسيك، وكندا، وجرينلاند، بعد تلقيه ردودًا وتهديدات صارمة.
وأوضح السويطي أن الرئيس ترامب، الذي صرح مرارًا بأنه لا يسعى إلى الحروب، يُمهد بقراراته الأخيرة لحروب مؤجلة التوقيت، مشيرًا إلى أنه، بصفته رجل أعمال ومقاولًا، لديه أطماع اقتصادية في ثروات قطاع غزة، خصوصًا النفط والغاز، وهو ما قد يكون دافعًا أساسيًا خلف مواقفه الأخيرة.
وأكد أن الفلسطينيين يرفضون بشكل قاطع هذه القرارات، خاصة المقاومة في غزة والضفة الغربية، بينما تبقى السلطة الفلسطينية في موقف حرج بسبب استمرار تنسيقها الأمني مع الاحتلال، مقابل الحفاظ على بقائها السياسي، مشيراً إلى أن هذه التطورات قد تهدد مستقبل السلطة الفلسطينية بشكل كبير.
وتوقع السويطي أن تؤدي هذه القرارات إلى ردود فعل عنيفة وغير متوقعة قد تُفشل مخططات ترامب، بدءًا من مظاهرات حاشدة في عدة دول، بما فيها مصر والأردن، وصولًا إلى تحركات قانونية مثل محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما لم يستبعد إمكانية تصعيد عسكري في غزة، في ظل احتمال تنفيذ عمليات استباقية ضد الاحتلال.
انعكاسات أمنية
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمد الغابري أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن غزة تعكس «جنون العظمة» الذي يميز شخصيته، حيث يسعى لممارسة الاستبداد في السياسة الخارجية لتعويض عدم قدرته على ذلك داخل الولايات المتحدة.
وأضاف الغابري، في حديث خاص مع «الاستقلال»، أن تصريحات ترامب تخرج عن الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية، وتشير إلى رغبته في تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، تمهيدًا للمرحلة الثالثة التي تشمل إعادة الإعمار بشروط أمريكية.
وأوضح أن ترامب يرى في بقاء سكان غزة تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، إذ يشكلون حاضنة للمقاومة، لذا يسعى إلى تهجيرهم للانفراد بالمقاومة أو إجبارها على الرحيل، معتبرًا أن غزة ليست لأهلها ولا حتى للكيان الصهيوني، بل لأمريكا.
ويرى الغابري أن خطة ترامب تشبه وعد بلفور من حيث السعي لتخليص الاحتلال من غزة، لكنها تختلف في كونها صادرة عن شخص، وليس عن سياسة أمريكية رسمية، التي لا تزال تتحدث عن حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين في أراضي 1967.
وأشار إلى أن مقترح ترامب بترحيل الفلسطينيين إلى دول الجوار يثير قلقًا إقليميًا واسعًا، ويزيد من احتمالات انفجار الوضع في المنطقة، خاصة أن الأنظمة العربية قد تواجه احتجاجات شعبية إذا استجابت لهذه الضغوط.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة أن تمتلك المقاومة فريقًا لإدارة الأزمة والتعامل مع مختلف الأطراف، إضافة إلى السعي للاستعانة بدول ذات نفوذ يمكنها التأثير على الإدارة الأمريكية.
التعليقات : 0